دور التفاعلية في تطوير أداء القائمين بالاتصال في الصحف اليومية:

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم الإعلام بکلية الآداب، جامعة سوهاج

المستخلص

حتى لا تعدو مناقشتنا هنا لنتائج الدراسة من قبيل تکرار المناقشات التي اتبعها الباحث للنائح التي حملها کل جدول من جداول نتائج الإجابة على تساؤلات الدراسة، أو جداول التحقق من فروضها، فإن ما يهم الباحث أن يناقشه هنا هو ما تشير إليه نتائج الدراسة عما أدت إليه التفاعلية من تطوير واضح لدور المتلقي في العملية الاتصالية على نحو لم يجعله فقط قائما بالاتصال،بل جعله رقيبا فوريا على المحتوى الذي ينشره الصحفي، سواء عبر التواصل مع القائم بالاتصال عبر البريد الالکتروني، أو عبر التعليقات التي يکتبها على ما ينشره الصحفي، أو ما يعلق به على ما يطرحه القراء الآخرون. وهو تطور لم يقف عند الکيف، وإنما هو تطور کمي أيضا فقد أتاحت التفاعلية للقارئ أن يطرح متى شاء - عبر التعليق على الصفحات الالکترونية للصحف اليومية الکبرى - رؤيته ويقدم ما لديه من معلومات حول حدث أو قضية ما ، أو أن يعبر من على  هذا المنبر بکل حرية عن نفسه أو عن أية فئة اجتماعية أو سياسية أو دينية أو أي فئة من الفئات التي قد ينتمي إليها، على نحو يجعل صوته يصل إلي کل القائمين بالاتصال المعنيين،تقريبا، بما أثبتته الدراسة من أن(98.4 %) من القائمين بالاتصال بالصحف اليومية يتابعون تعليقات القراء على ما يکتبونه- ناهيک عمن قد يطلع على ما يطرحه من القراء الآخرين، بل ومن القائمين بالاتصال في صحف أخرى.
وإذا کان ذلک الأمر قد أسهم في تطوير أداء القائمين بالاتصال -کما أثبتت الدراسة- فإنه يسهم من ناحية أخرى في تحقيق ما طالبت به نظرية المشارکة الديمقراطية من ضرورة أن تنشر وسائل الإعلام وتدعم وتشجع وجهات نظر وآراء الأفراد العاديين في کل ما يودون المشارکة فيه في شؤون مجتمعاتهم، وعبر تمکينهم من حق الوصول لها دونما عوائق بغض النظر عن مکاناتهم أو إمکاناتهم المادية، ذلک لأن المشارکة في صنع القرار المجتمعي لا ينبغي أن تکون حکرا على الأغنياء، ولکن  ينبغي أن تکون أمرا متاحا لجميع المواطنين. 
وإذا کان الالتفات إلى مثل هذه النتيجة غير المباشرة للتفاعلية يعد هنا أمرا ذا بال على نحو يجعل دراستنا هذه ترى ضرورة إجراء دراسات مستقبليه مستقلة حول الدور الذي أتاحته التفاعلية في کسر الاحتکار الإعلامي، وتحقيق ما نادت به نظرية الاشتراکية الديمقراطية، فإن النتيجة الرئيسة في هذه الدراسة هي تلک التي تتجلي في التأثيرات التي خلفتها التفاعلية على أداء القائم بالاتصال، لاسيما في تجليها الأبرز الماثل في تعليقات  القراء على النحو الذي جعل (50.4%) من المبحوثين  يتابعون تلک التعليقات على ما ينشرونه بشکل دائم و(42.6) يتابعونه أحيانا، بينما من يتابع نادرا هم فقط (5.4%)، بل ويتابعون (65,6%) من  التعليقات التي تتم علي ما ينشره زملاؤهم.
ولا مراء أن هذه التعليقات تعد أشبه باستفتاء علني وفوري على قبول أو عدم قبول القراء لما يقدمه القائم بالاتصال من معالجات للأحداث أو للقضايا التي يتناولها، سواء من حيث الشکل أو المضمون أو التوقيت أو الأولوية.وبالطبع فإن مثل هذا الاستفتاء العلني يجعل القائم بالاتصال وجلا من الوقوع في أي تجاوز يجعله عرضة لانتقاد قراءه، وهو ما يکاد يجعله يمارس – راغما- الرقابة الذاتية على کل ما ينشره. وهو ما يجعل التزامه الذاتي بکثير من المسؤوليات التي نادت بها نظرية المسؤولية الاجتماعية أمرا أصبح ممکنا، يدلل على ذلک ما توصلت إليه الدراسة من نتائج حول التأثيرات المباشرة التي أقر المبحوثون بأن التعليقات أحدثتها في کتاباتهم للخبر أو التقرير أو الحوار أو التحقيق أو المقال (أنظر نتائج الجداول من 8 إلى 12) وهي تأثيرات تتآزر معها التأثيرات غير المباشرة للتعليقات (انظر نتائج جداول 15، 18، 21) في تطوير أداء القائمين بالاتصال على نحو جعلهم أکثر شعورا وممارسة للمسؤوليات الإعلامية قِبل قرائهم و قِبل مجتمعهم عامة، وهو الهدف الرئيس الذي سعت نظرية المسؤولية الاجتماعية إلي الإسهام في تحقيقه، لأن تحمل هذه المسؤوليات هو ما يبرر حق وسيلة إعلامية ما في الوجود والاستمرار من عدمه.
وفي ضوء هذه النتائج  تقترح الدراسة - فيما يتعلق بالجانب العلمي - إجراء  مزيد من الدراسات حول التفاعلية الناجمة عن التعليقات مثل دراسات عن: تحليل مضمون هذه التعليقات لمعرفة طبيعة الملاحظات أو الإضافات التي تطرحها على ما ينشره القائمون بالاتصال، ومدي إسهام ذلک في تجلية الحقائق في الأحداث التي يعالجها القائمون بالاتصال أوفي صقل الآراء التي يطرحونها، و دراسات عن: أثر التعليقات على تطوير أداء القائمين بالاتصال في شتي وسائل الإعلام التي لها مواقع تفاعلية على الانترنت عامة، ودراسات عن وسائل الإعلام التي لها صفحات تفاعلية على مواقع  التواصل الاجتماعي.
وفيما يتعلق بالجانب العملي ثمة مقترح رئيس، بل يمکن أن نقول أنه مطلب ملح تطالب به الدراسة ألا وهو: أن تسعي أية صحيفة تدعي أنها تضطلع بمسؤولياتها الاجتماعية على نحو يخدم الصالح العام إلى أن تيسر شروط تعليق القراء على ما تنشره من مواد، وأن تجعل إمکانية التعليق لأي قارئ إمکانية حرة دون أي  تعقيد في شروط التعليق ،مثل کتابة بيانات القارئ الذي يريد التعليق أو بريده الالکتروني، و ما إلى ذلک ما آليات تجعل القاري يحجم غاليا عن التعليق. ودون أي تدخل من قِبل الصحيفة في عملية نشر هذه التعليقات على نحو يجعلها تنتقي ما يؤيد وجهة نظرها لتنشره، و تحجب ما يخالفها.
بالطبع قد يکون ثمة تجاوزات سلبية لهذه التعليقات لکن دراستنا أثبتت أن تأثير هذه التعليقات السلبية النهائي ضئيل حيث أجاب (72.5%) من المبحوثين أنهم لا يتأثرون بها مطلقا، وهو ما يعني أن الحجج التي تقف وراء وضع قيود علي النشر الحر للتعليقات هي حجج واهية، و تشير في حقيقتها لرغبة الصحيفة فقط في نشر الأصوات التي تؤيد التوجهات التي تتبعها، وکبت الأصوات المغايرة، حتى ولو کانت تحمل الحقيقة في طياتها.
کما تطالب الدراسة الصحف أن تُلزم محرريها وکتابها بکتابة بريدهم الالکتروني مصاحبا لما ينشرونه من مواد علي صفحاتها، على الأقل في مواد الرأي، حتى تتاح لکل قارئ فرصة التفاعل المباشر مع  صاحب المادة المنشورة، فإن کان ثمة قصور ما تسعي رسائل القراء الالکترونية إلى تنبيه القائم بالاتصال إليه، أمکنه حينها تلافيه دونما حاجة إلى نشره کتعليق قد يرى أن إطلاع الملأ عليه أمر يسئ إليه.

الكلمات الرئيسية