محددات أزمة التمويل في صناعة الصحافة، ورؤية الصحفيين والقيادات الصحفية لاستراتيجيات إدارة هذه الأزمة وتأثيراتها الراهنة والمستقبلية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الصحافة المساعد بکلية الإعلام – جامعة القاهرة.

المستخلص

إذا کانت صناعة الصحافة في العالم المتقدم، تواجه جملة من المشکلات والأزمات، التي تهدد وجودها، وقدرتها على البقاء والصمود والاستمرارية، في ظل التحديات التي تفرضها ظروف أسواق المنافسة السائدة، وتهديدات البدائل الاليکترونية المستحدثة، وقدرتها على الاستحواذ على نصيب لا يستهان به من سوق الإعلانات والقراء، بالرغم من تطور هذه الصناعة في هذه المجتمعات؛ على مستوى أساليب تخطيط السوق وتنظيمه، وعلى صعيد تطور أساليب الإدارة والتنظيم المعمول بها، وتحول هذه الصناعة إلى نمط الکيانات الکبرى وملکية السلاسل و الاحتکارات، وزيادة التوجه نحو الاندماج، وإلى تطبيق سياسات إعادة الهيکلة والشراکة الإعلامية، والمشروعات المختلطة Conglomerates، فإن هذه الصناعة في مصر تواجه تحديات وتهديدات أکثر خطورة، وأکثر وضوحا؛ حيث تعاني صناعة الصحافة في مصر، وفي کثير من دول العالم الثالث، من حالة من الفوضى في طبيعة الأسواق التي تعمل في إطارها، وفي طبيعة تنظيم المشروعات الصحفية القائمة، وأنماط ملکيتها وأساليب إدارتها، حيث يغلب على هذه الصناعة وأسواقها طابع العشوائية وعدم التخطيط، وعدم الأخذ بالأساليب والتطورات والسياسات الحديثة في مجالات التسويق وسياسات الإعلان، وفي مجال الاستثمار في عناصر الإنتاج ومقومات الصناعة المختلفة الأخرى، حتى باتت المشروعات القائمة والصحف الصادرة تمثل عبئا اقتصاديا على بعضها البعض، وعلى السوق الذي تعمل فيه نفسه، بل على القراء والمعلنين، الذين أصبحوا يرون في معظم هذه المشروعات مجرد مشروعات وهمية، لا أساس لها في الواقع، ولا تأثير لها أو مردود، وليست لديها رؤية تحکمها، الأمر الذي أدى إلى انصراف القراء والمعلنين عنها، لصالح الفضائيات بدرجة، ولصالح الصحافة الاليکترونية، التي بدأت تستحوذ تدريجيا على مکانة هذه الصحف وعملائها بدرجات متزايدة.
وتؤکد نتائج الدراسات ومؤشرات الواقع الفعلي المعروفة والمعلنة من قبل کثير من قيادات هذه المؤسسات الصحفية، ومن قيادات الهيئات التي تتولى تنظيم هذه الصناعة ومباشرة أوضاعها (المجلس الأعلى للصحافة – نقابة الصحفيين)، أن الأوضاع المالية والإدارية لمعظم المؤسسات والمشروعات الصحفية، بل والقنوات التليفزيونية – سواء المملوکة للدولة أو للقطاع الخاص – أصبحت تنذر بخطر وشيک، قد يؤدي إلى انهيار صناعة الإعلام في مصر، وصناعة الصحافة المطبوعة وإلى إفلاسها، ما لم تبادر هذه المؤسسات والمشروعات وملاکها والقائمين عليها، إلى التفکير جديا في إعادة هيکلتها في إطار سوق أکثر تخطيطا وتنظيما، وفي إطار رؤية أکثر شمولا، لحقيقة الجدوى الاقتصادية والمهنية لکثير من هذه المشروعات ومدى قدرتها على البقاء وتحقيق العائد الاقتصادي والمهني منها. ومن هنا تتبلور مشکلة هذه الدراسة وحدودها، والتي تتمثل في توصيف وتحليل وتفسير طبيعة الأزمة المالية التي تواجهها المؤسسات والمشروعات الصحفية في مصر والعوامل البنيوية والتنظيمية والمجتمعية التي أدت إلى تفاقمها، ومدى إدراک الصحفيين والقيادات الصحفية لعناصر هذه الأزمة وأبعادها، وتأثيراتها وتداعياتها، وقدرة إدارات المؤسسات الصحفية الراهنة على مواجهتها.

·           خاتمة الدراسة ومناقشة النتائج :

سعت هذه الدراسة إلى تحقيق هدف رئيس يتمثل في تحليل مظاهر الأزمة المالية التي تواجهها صناعة الصحافة المطبوعة في مصر، ومجموعة العوامل التنظيمية والبنيوية والمجتمعية التي أفرزتها، وتداعيات هذه الأزمة وتأثيراتها ونتائجها، ورؤية القيادات الصحفية والصحفيين لأهم استراتيجيات مواجهتها وکيفية الخروج منها، وذلک من خلال دراسة ميدانية قام بها الباحث، عبر تطبيق أسلوبي الاستقصاء والمقابلات المفتوحة، على عينة بلغت 150 مفردة من الصحفيين والقيادات الصحفية، في عدد من الصحف المصرية القومية والحزبية والخاصة، وقد انتهت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة، سوف نستعرضها ونناقشها على النحو التالي :
-     انتهت نتائج الدراسة إلى أن الصحفيين والقيادات الصحفية المبحوثة، يميلون بنسبة أکبر، وإن کان بدرجات شدة متباينة، إلى الاعتقاد بأن صناعة الصحافة في مصر تواجه أزمة مالية طاحنة، قد يترتب عليها تهديد وجود هذه الصناعة نفسه، وإمکانية تدهورها وانقراضها، في ضوء عدم قدرة هذه الصناعة على تحقيق العائد الاقتصادي منها، وفي ضوء تزايد خسائرها وإفلاس الکثير من مشروعاتها، وانسحاب بعضها من أسواق المنافسة وعدم قدرتها على الاستمرارية والصمود في مواجهة هذه الأزمة وتداعياتها، وإن کانت نسبة أخرى لا يستهان بها بلغت حوالي 48% من إجمالي العينة ترى أنه بالرغم من إدراکهم لوجود مثل هذه الأزمة، وإدراکهم لخطورتها وتداعياتها، إلا أنهم لا يعتقدون – في المقابل - أنها يمکن أن تؤدي إلى انقراض صناعة الصحافة المطبوعة وتهديد وجودها ذاته، معتبرين أن صناعة الصحافة المطبوعة مازالت قادرة على إعادة هيکلة نفسها وتجاوز أزماتها. وفي کل الأحوال اتفقت نسبة کبيرة من المبحوثين على أن ثمة أزمة مالية کبيرة تواجهها صناعة الصحافة، وأن هذه الأزمة قد بدات تطول کل المؤسسات على اختلاف قدراتها الاقتصادية، وعلى اختلاف أنماط ملکيتها.
-     وقد انتهت نتائج الدراسة  إلى أن ثمة مجموعة رئيسية من العوامل والمؤشرات التي تعکس جوهر الأزمة الاقتصادية التي تواجهها صناعة الصحافة، وأن هذه المؤشرات يمکن تصنيفها في مجموعتين رئيسيتين : الأولى وتتمثل في مشکلات الصناعة وبيئتها الداخلية ذاتها، وتتمثل في ضعف مستوى کفاءة وخبرات القائمين على شئون المؤسسات الصحفية، وعدم قدرتهم على تطوير أساليب إداراتها، أو إدارة أزماتها المالية، نتيجة تطبيق سياسات مالية وإدارية يغلب عليها طابع الجمود، وعدم القدرة على مواکبة ضغوط أسواق المنافسة وشروطها وتحدياتها، يضاف إلى ذلک تراجع مستوى جودة المنتج والخدمات الصحفية والإنتاجية، التي تقدمها هذه الصناعة لعملائها، وهو ما ترتب عليه وجود انخفاض حاد في أرقام توزيع الصحف وعائداتها المالية المتحققة منه، وکذلک تراجع عائدات الإعلانات بها، أضف إلى ذلک انخفاض معدلات الثقة بين معظم الصحف القائمة وعملائها من القراء والمعلنين، نتيجة لعدم وضوح سياساتها وزيادة حدة تقلباتها. أما المجموعة الثانية فتتمثل في : العوامل المرتبطة بالبئية الخارجية التي تشکل سياق هذه الصناعة، وأهمها المنافسة الشرسة التي تتعرض لها صناعة الصحافة المطبوعة من الانترنت والصحف والمواقع الاليکترونية وشبکات التواصل الاجتماعي، نتيجة للإمکانات الهائلة التي تمتلکها هذه الوسائط الجديدة، وقدرتها على خلخلة سوق صناعة الصحافة التقليدية، والاستحواذ على نسبة لا يستهان بها من عملائها ؛ على مستوى القراء والمعلنين، يضاف إلى ذلک تراجع معدلات الإنفاق القومي على الإعلان، وضغوط الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية والمحلية، وما يستتبعها من حالة انکماش في أسواق الصناعة ومصادر تمويلها، خاصة المصادر والإيرادات الإعلانية تحديدا، وهي نتيجة تشير في التحليل الأخير إلى أن صناعة الصحافة المطبوعة تواجه بالفعل أزمة حقيقية، وأن ثمة إدراکا حقيقيا وواعيا بعناصر هذه الأزمة وعواملها ومؤشراتها، إلا أنه في المقابل توجد ثمة قناعة لدى نسبة لا يستهان بها من المبحوثين، أنه لا توجد مؤشرات حقيقية تدل على أن الإدارات القائمة على شئون المؤسسات الصحفية، لديها من القدرات والإمکانات، ما يمکنها من التعامل مع مثل هذه الأزمات ومواجهتها والتغلب عليها.

الكلمات الرئيسية