الإغتراب عن النسق القيمي بالدراما التليفزيونية وعلاقته بالتحرر الإجتماعي لدي المراهقين:

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم الإعلام وثقافة الأطفال بکلية الدراسات العليا للطفولة - جامعة عين شمس.

المستخلص

تنطلق الدراسة الحالية من فکرة مؤداها أن النسق القيمي هو الذي يوجه السلوک ويقرر مدي قبوله في المجتمع من عدمه، وهذا يعني أن السلوک يتشکل استناداً إلي النسق القيمي، وبالتالي فإن أي تغيير في النسق القيمي يترتب عليه تغير سلوک الفرد من نمط معين إلي آخر.
ولقد أفرزت التطورات التي يشهدها العالم المعاصر في مجال الإعلام والإتصال العديد من الإشکاليات الإجتماعية والتحديات أهمها تلک المخاطر والتهديدات التي تواجهها منظومة القيم، من خلال تلاشي وانهيار عناصر قيمية کانت رکائز أساسية في منظومة القيم واستبدالها بعناصر قيمية أخري وافدة من دول أخري، غايتها أن تقوم بالتأثير علي الثقافات المحلية للشعوب. بل وقد تساهم في اکتساب سلوکيات وعناصر قيمية جديدة تلغي تدريجياً عناصر قيمية أصيلة.

ولقد شهد المجتمع المصري في النصف الثاني من القرن العشرين مجموعة من التغيرات من حيث عمقها واتجاهاتها ونتائجها التي أثرت بشکل مباشر علي النسق القيمي لدي أفراد المجتمع بصفة عامة وعلي المراهقين والشباب بصفة خاصة.وتحول إلي عالم ينشغل بالمادة أکثر من إنشغاله بالقيم والأخلاق، وتحل فيه العلاقات الفردية القائمة علي المصلحة محل العلاقات القائمة علي العواطف الإيجابية، کما تحل فيه الفوضي وعدم اليقين محل العلاقات المستقرة القائمة بين أفراد المجتمع علي أساس من القيم الأصيلة کالثقة والتسامح واحترام الآخر والإلتزام الأخلاقي. ومما لا شک فيه أنه ليس بالمادة أو بتراکم الثروة والربح ولا بالهيمنة والعنف والصراعات يتحقق وجود الإنسان واستقراره، بل بالقيم الفاضلة التي تمنع الإنسان من أن يطغي علي أخيه.وذلک بإعتبار أن الفاعلية التاريخية والحضارية للأمم تقاس بمدي تماسک وفاعلية النسق القيمي للمجتمع

ونتيجة لبعض التفاعلات والإعتبارات الذاتية والموضوعية والعوامل المحلية والعالمية تمر منظومة القيم فى مختلف المجتمعات بمجموعة من التحولات والتغيرات، وفي أحيان کثيرة لا تکون هذه التحولات للأفضل مما ينجم عنها في النهاية حالة من الفراغ القيمي والإغتراب عنه.

ولقد فقدت القيم والأخلاق السامية مکانتها وأساسها فى المجتمع المصري، وأضحت مجرد أدوات عملية وإجراءات منطقية يتم إتباعها ما دامت ناسبت الظروف وحققت المطلوب، ويتم تغييرها بإستمرار لتحقيق المصلحة المتغيرة من منظور کل إنسان حسب ظروف دائمة التغير.وذلک نتيجة بعض التحولات فى شتي مناحي الحياة، والتي جاءت مع التغيرات العالمية بدء يظهر آثارها علي البنية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والإعلامية، وأفرزت اضطرابات وتفکک اجتماعي، وانهيار للقيم السائدة نتيجة سرعة هذه التحولات التي لم يستوعبها المجتمع.
ويعيش الفرد في المجتمع المصري أزمة قيم تعددت أسبابها، ويعتقد أن من بين هذه الأسباب الدراما التليفزيونية. حيث تشير بعض الدراسات إلي أن الدراما التليفزيونية تعد مصدر لإکتساب سلوکيات جديدة بشکل إيجابي أو سلبي، حيث إن عرضها لنماذج سلوکية معينة مغتربه يؤدي إلي تقمصها، واکتساب عادات بشأنها، علي اعتبار أنها تثير الإنفعالات الإنسانية وتکوين السلوک الإجتماعي، وتسعي إلي دعم أو تغيير أو إلغاء أو ترسيخ بعض القيم المجتمعية، ومن هنا تظهر تأثيراتها في سلوکيات المجتمع الذي يتعرض لها بشکل کثيف کل يوم تقريباً، خاصة تلک التجاوزات فى دعم الدراما لبعض السلوکيات الغربية التي تتنافي مع قيم الإسلام الحنيف، وتأثيراتها السلبية التي انعکست علي أخلاق الجمهور المصري وأوقعت أفدح الأضرار النفسية بالقيم التي يؤمن بها.وأضحي الشباب يقلد کل ما يشاهده مما يعکس أثرها البالغ، خاصة عندما يتکرر عرضها أکثر من مرة حيث تصبح مطبوعة في ذهن المتلقي، وهذا ما تؤکده نظرية الحتمية القيمية في وسائل الإعلام لصاحبها المفکر عبد الرحمن عزي: حيث "إن تأثير الإتصال يکون إيجابياً إذا کانت مضامين الدراما التليفزيونية وثيقة الصلة بالقيم، وکلما کان الوثاق أشد کان التأثير إيجابياً، وبالمقابل يکون التأثير سلبياً إذا کانت مضامين الدراما التليفزيونية لا تتقيد بأي قيمة أو تتناقض مع القيم، وکلما کان الابتعاد عن القيم أکبر کان التأثير السلبي أکثر".

وقد تعرضت منظومة القيم الإجتماعية إلي هزات أو تحولات غير مرغوب فيها (الخلل) نتيجة عوامل متداخلة وسادت الفوضي الأخلاقية والسلوکية، وفقد النظام الإجتماعي قدرته علي البقاء والإلتزام ويعبر الإغتراب عن حالة انهيار في العلاقات الإجتماعية بما يبديه المغترب من عدم الرضا والرفض لکل قيم المجتمع ويکشف عن غياب الإحساس بالإنتماء وانعدام الشعور بالحياة، وعجز عن التوافق مع الذات والآخرين.کما ظهرت مشاهد التحرر الإجتماعي وما هي إلا إعلان عن حالة الإغتراب التي يعيشها الأفراد في مجتمعاتهم فآثاره السلبية مست مختلف الشرائح لکن تأثيرها بالغ علي فئة الشباب المراهق، نظراً للخصائص النفسية والإجتماعية لهذة الشريحة ومنها الطموح والدافعية والرغبة في تغيير الأوضاع.
ولقد أکدت الأدبيات أن الجمهور يتعرض لمشاهدة الدراما التليفزيونية بکثافة وبخاصة فئة الشباب المراهق، کما بينت دور الدراما في التأثير الإيجابي علي النسق القيمي، وأيضاً فى نشر الإنحرافات السلوکية بين أفراد المجتمع. وذلک يتماشي مع تأکيد نظرية الحتمية القيمية في الإعلام بأن التليفزيون يعد أکثر الوسائل الإعلامية المعنية بالعنف والجنس، بوصفة مجالاً عاماً ينفذ إلي کافة الشرائح الإجتماعية کما أن التليفزيون بتعدد قنواته يتضمن الإجبار، حيث يصعب علي الفرد تجنب ما يعرض بشکل إرادي.کما اجمعت العديد من الدراسات حول وجود علاقة بين التعرض لوسائل الإعلام کافة والإغتراب لدي الشباب المراهق مما يثبت بأن مضامين الدراما تعرض العديد من المشاهد حول الإغتراب بأشکاله المختلفة، وفي هذه الدراسة محاولة لقياس تأثير الدراما التليفزيونية علي المراهقين ولکن من زاوية أخري وهي : تحديد العلاقة بين معالجة الدراما لمشاهد الإغتراب عن النسق القيمي وبين التحرر الإجتماعي من الإلتزام بقيم المجتمع المصري.


 

الكلمات الرئيسية